-->
إعلان على الهواتف
مساحة إعلانية

الثلاثاء، 31 ديسمبر 2019

ارتباط اللغة العربية بالدين الإسلامي






ارتباط اللغة العربية بالدين الإسلامي


 المقدمة :

 

من آيات الله سبحانه وتعالى اختلاف اللغات بين البشر، { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}[1] ، فاللغة العربية أهم اللغات على وجه الأرض، لها منزلتها الرفيعة ومكانتها المرموقة في قلوب أبنائها، وقد زادت تلك المنزلة، وعلا شأنها، وذاع صيتها لمّا أنزل الله بها كتابه العظيم، والقرآن المبين، فنالت الشرف والرفعة والعزة، وصار الاعتناء بها والحرص عليها من متطلبات الإسلام العظيم .

 

اللغة العربية كانت دائماً قادرة على مسايرة التقدم الحضاري العالمي ومعبّرة عنه بما لها من خصائص المرونة والطواعية، وبما تكتنف من غزارة وسعة، وبما لها من تراث أصيل عميق بعيد الأثر في مراحل التاريخ. كما أنها كانت ولسنوات طويلة لغة التعليم والتعلم وصحب هذا نهضة علمية زاهرة.

ولقد كانت ومازالت اللغة العربية لغة العلوم تستشرف الآفاق الرحبة حيث كان لها آثار كبيرة في رقي العلوم الحديثة والمستحدثة.

فقد اعتبر القرآن الكريم أسمى نمط للعربية الفصحى وأعلى نموذج للبيان المعجز فظل القبلة الخالدة في استلهام أنصع الأساليب لنظم الكلام فمادام القرآن الكريم محفوظاً والإسلام قائماً فلن يكتب لهذه اللغة الفناء لقوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}[2].

 

واللغة العربية واحدة من اللغات الإنسانية المعاصرة‏,‏ والتي يتحدث بها الملايين من العرب والمسلمين‏,‏ وهي إحدى لغات منظمة الأمم المتحدة‏.‏

 

وفي هذا البحث المتواضع سوف أتناول مدى ارتباط اللغة العربية بالدين الإسلامي و الثقافة الإسلامية ، شاكرا كل من تعاون معي في تجميع المادة العلمية والإعداد .

 

 المبحث الأول : مكانة اللغة العربية :

العربية لغة القرآن الكريم :
العربية لغة القرآن الكريم ، وهو مهيمن على ما سواه من الكتب الأخرى , وهذا يقتضي أن تكون لغته مهيمنة على ما سواها من اللغات الأخرى  . وهي لغة خاتم الأنبياء والمرسلين أرسله الله للبشرية جمعاء ، واختار الله له اللغة العربية، وهذا يعني صلاحيتها لأن تكون لغة البشرية جمعاء ، ينبغي أن ندرك أبعاد هذه المسألة .
 قال تعالى : (( إنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ))[3] فلما وصفها الله بالبيان علم أن سائر اللغات قاصرة عنها ، وهذا وسام شرف وتاج كلل الله به مفرق العربية ، خصوصاً حين ناط الله بها كلامه المنزل ، قال تعالى :-(( إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون))[4] وقال تعالى :- (( كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون))[5]. وقال (( قرآناً عربياً غير ذي عوج ))[6]  ومن هنا قال حافظ على لسان العربية :-
وسعت كتاب الله لفظاً وغايةً             وما ضقت عن آي به و عظات
  فهو يشير إلى الطاقات الهائلة والمخزون الضخم الذي تمتلكه العربية التي وسعت هذا القرآن بكل أبعاده و آفاقه .  إنها  لغة الخلود حيث لا يمكن أن تزول عن الأرض إلا أن يزول هذا الكتاب المنزّل ،، وقد تكفل الله بحفظها ضمنياً في قوله : (( إنا نحن نزلنا الذكر ، وإنا له لحافظون ))[7] .
ولم تعرف الإنسانية علي طول تاريخها لغة خلدها كتاب‏,‏ إلا اللغة العربية التي بدأت بكتاب الله‏(‏ القرآن الكريم‏)‏ مرحلة جديدة في حياتها الخالدة حيث ساعدت قراءة القرآن علي توفير قاعدة أدائية في الجانب الصوتي‏,‏ وهو أكثر جوانب اللغة تعرضا للتغيير والانحراف والتشويه‏.‏ وهكذا شاءت إرادة الله أن تكون اللغة العربية لغة الإسلام ومن هنا كانت تلك الحملات الضارية التي انصبت علي اللغة العربية بهدف النيل منها بشتى الطرق والصور‏,‏ مما أوجب علي أبنائها المخلصين لها ولربهم أن يعملوا جهدهم لتيسير تناولها وتعلمها للأجيال الجديدة من الأمة العربية والإسلامية ومن رغب في تناولها.
دور اللغة العربية في مسيرة التقدم الحضاري العالمي:  
اللغة العربية كانت دائماً قادرة على مسايرة التقدم الحضاري العالمي ومعبّرة عنه بما لها من خصائص المرونة والطواعية، وبما تكتنف من غزارة وسعة، وبما لها من تراث أصيل عميق بعيد الأثر في مراحل التاريخ. كما أنها كانت ولسنوات طويلة لغة التعليم والتعلم وصحب هذا نهضة علمية زاهرة.
ولقد كانت ومازالت اللغة العربية لغة العلوم تستشرف الآفاق الرحبة حيث كان لها آثار كبيرة في رقي العلوم الحديثة والمستحدثة.
فقد اعتبر القرآن الكريم أسمى نمط للعربية الفصحى وأعلى نموذج للبيان المعجز فظل القبلة الخالدة في استلهام أنصع الأساليب لنظم الكلام فمادام القرآن الكريم محفوظاً والإسلام قائماً فلن يكتب لهذه اللغة الفناء لقوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}[8].
أهم ملامح عبقرية اللغة العربية :  
إنها مكنت وبقوة توحيد المصطلحات العلمية في جميع البيئات العربية وعلى ألسنة جميع الأسلاف من العلماء في الماضي، فمصطلحات كالطب مثلاً في كتاب «القانون» لابن سينا كانت هي مصطلحاته نفسها عند مهذب الدين الدخوار وابن القفطي الدمشقيين وكذا مصطلحات بقية العلوم.
المبحث الثاني : دور الإسلام نحو اللغة العربية  :
الارتباط المكاني للغة العربية بالإسلام :
لقد كانت نشأة اللغة العربية في شبه الجزيرة العربية مما وفّر لها أسباب صيانتها والمحافظة على كيانها لعدّة قرون قبل الإسلام. وسرعان ما انتشر العرب آنذاك في المناطق المجاورة، فدخلوا سورية والعراق، وحلّت العربية محلّ اللهجات الآرامية والسّريانية واللغتين اليونانية والفارسية فيهما. وكان لها الخصائص ما ميزها عن أخواتها الساميّات جميعاً. ففيها من عدد أصوات الحروف ما ليس في أيّ من اللغات البابلية والاشورية والفينيقية والعبرية والسّريانية والمندائية والآرامية والحميريّة والحبشية. بل انها تفوق اكثر لغات العالم الحية في هذا الخصوص وهي فضلاً عن ذلك من اغنى اللغات في تعداد أصول ألفاظها، وفي ثرائها بمفرداتها، وكثرة مترادفاتها، ودقة قواعدها، واحكام نحوها وصرفها، وفي وفرة أبنيتها الاشتقاقية واطّراء قياسها لدلالات كثيرة، وفي طواعيتها للمجاز، وايجاز عبارتها، وجمال أسلوبها وبيانها وبلاغة تعابيرها.[9]
وقد اختار الله تعالى العربية فأنزل بها القرآن الكريم: «انّا أنزلناه قرآناً عربياً لعلّكم تعقلون». وكانت هذه اللغة الشريفة، بما بلغته من اكتمال، وبخصائصها الفريدة المتميزة، مؤهلة بحق للإعجاز الذي أودعه الله عزّ وجلّ تنزيله العزيز. وهكذا كان نزول آي الذكر الحكيم باللغة العربية من أقوى الدعائم في اقرار منزلتها الرفيعة بين لغات سائر الأمم.
دور الإسلام في نشر اللغة العربية :
كان للفتوحات الإسلامية بعد وفاة النبي محمد كبير الأثر في نشر اللغة العربية في أصقاع مختلفة خارج شبه الجزيرة العربية، فبعد أن اعتنق كثير من السريان والأقباط والروم والأمازيغ والآشوريين الدين الإسلامي، أصبحوا عربًا باللغة كذلك الأمر، لسببين رئيسيين، منها أن اللغة الجديدة كانت لغة الدين حديث النشأة، وهي لغة مصدر التشريع الأساسي في الإسلام (القرآن، والأحاديث النبوية)، ولأن الصلاة وبعض العبادات أخرى، لا تتم إلا بإتقان بعض كلمات من هذه اللغة، وأيضًا لتعريب دواوين الأمصار حديثة الفتح، في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وهكذا أصبحت العربية لغة السياسة والإدارة بعد أن نُقلت إليها المصطلحات الفنيّة في الإدارة والحساب.[10] وعلى الرغم من أن كثير من الأمم الأعجمية بقيت على هويتها ولم تتقبل الهوية العربية، مثل قسم كبير من الأمازيغ والترك والكرد والفرس وبعض الآشوريين والسريان، فإنها تلقنت اللغة العربية وتكلمتها بطلاقة إلى جانب لغتها الأم، وذلك لأن بعضها اعتنق الإسلام مثل الأكراد والفرس والأتراك، وحتى الذين بقوا على الدين المسيحي أو اليهودي أو المندائي الصابئي، تكلموا العربية كلغة رئيسية إلى جانب لغتهم الأم، بعد أن أصبحت لغة العلم والأدب خلال العصر الذهبي للدولة الإسلامية، تحت ظل الخلافة العباسيّة، بل أن تلك الشعوب اقتبست الأبجدية العربية في كتابة لغتها.[11] ومع مرور الوقت أصبحت اللغة العربية لغة الشعائر لعدد كبير من الكنائس المسيحية في الوطن العربي، مثل كنائس الروم الأرثوذكس، والروم الكاثوليك، والسريان، كما كتبت بها الكثير من الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى.
ساهم عدد من الأعاجم في تطوير اللغة العربية ومصطلحاتها خلال العصرين الأموي والعباسي بفضل ما نقلوه إلى العربية من علوم مترجمة عن لغتهم الأم، فبرز في العربية كلمات ومصطلحات جديدة لم تكن معهودة من قبل، مثل "بيمارستان"، المأخوذة من الفارسية، وخلال العصر الذهبي بلغت اللغة العربية أقصى درجات الازدهار، حيث عبّر الأدباء والشعراء والعلماء العرب والعجم عن أفكارهم بهذه اللغة، فكُتبت آلاف المجلدات والمؤلفات والمخطوطات حول مختلف المواضيع بلسان العرب.[12] وكان من أهمية اللغة العربية في المجال العلمي والثقافي، أن اقتبست بعض اللغات الأوروبيّة كلمات منها أثناء العهد الصليبي في المشرق، أو عن طريق التثاقف والاختلاط مع عرب الأندلس، ومن أبرز اللغات التي تأثرت بالعربية: الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية.
آثر  القرآن في اللغة العربية
نعلم بأن اللغة هي الوعاء الأول للثقافة، وأن اللغة هي قمة الهرم المعرفي الإنساني بل إنها في أيامنا المعاصرة تأخذ أشكالا من الهندسات العلمية لتتحدى الحواجز الطبيعية وتنتقل من مجتمع إلى آخر تعبيرا عن الذات الإنسانية دون قيود، وقد مرت الأمة بمراحل استهدفت فيها لغتنا العربية بالكثير من التجهيل وذلك لم يكن من فراغ.
    فاللغة العربية هي الأساس لفهم هذا الدين حق الفهم، ولكن ما طرأ من عمليات تجهيل استهدفت هذه اللغة الغنية، أصبح واقعا نعيشه، بل إن الجميع مبهورون بلغة الحضارة العالمية وبالرغم من أن ذلك لا يشكل بأسا إلا أنه يصبح ذا تأثير سلبي كبير إن كان على حساب اللغة العربية الأم، فالعرب في بداية نهضتهم إنما أخذوا عن الأمم السابقة وأضافوا على إنجازاتهم في شتى المجالات وزمن الأمويين ومن بعدهم الخليفة المأمون شاهد على ذلك.
    وبما أن اللغة العربية هي لغة الإعجاز القرآني والذي يعتبر أول مصادر التشريع وهي الطريق إلى فهم الإسلام فهما صحيحا، فإن من واجب الأمة أن تعيد الإحياء لمفرداتها بما يزيل حالة الاغتراب وكما الاهتمام بحركة التعريب من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية فإن التركيز على تجسير الفجوة بين العربية الفصحى وبين العربية المتداولة بات أمرا يمس تحديد الهوية ومن الواجب أن يخضع لأولويات في اعتبارات الاستراتيجيات القادمة.
     يقول الدكتور نبيل علي في كتابه الثقافة العربية وعصر المعلومات والصادر مؤخرا في الكويت:" ونظرا إلى شيوعها وشموليتها، فهي مسؤولية الجميع: مسؤولية المجمع والجامع، ومؤسسات التربية وأجهزة الإعلام والمنظمات الثقافية،مسؤولية وجهاء النخبة وبسطاء العامة، مسؤولية الشاعر والعامل والناشر والكاتب والقارئ والمدرس والطالب [13]
ولعل القرآن الكريم هو من أفضل الوسائل لتعليم اللغة العربية وبينما يغيب عن ذهن قارئه ما فيه من أسرار اللغة، وجمالياتها يغيب الكثير من معانيه التي تستوجب التفعيل والاتعاظ حال سماع آياته الكريمة، يقول المؤرخ العربي فيليب حتي:" وليس القرآن كتاب دين فحسب بل هو كتاب درس واستقراء يعتمد عليه كل مسلم ومسلمة في تعلم اللغة العربية .... وليست مرتبة القرآن الدينية العائدة إلى مقامه السامي كأساس الإسلام والمرجع الاعلى الذي يحتكم إليه في الأمور الروحية والأدبية إلا ناحية واحدة من نواحي عظمته " تاريخ العرب ص 181-182. وبينما يصعب فك عروة العلاقة الترابطية الوثيقة بين اللغة العربية والقرآن الكريم نجد أنه من اللازم علينا الاهتمام بكليهما تحقيقا لهدفين فاتنا تحقيقهما زمنا: فهم اللغة كما ينبغي تحقيقا لفهم الدين وفهم القرآن وتعهده تحقيقا لعدة أهداف منها فهم اللغة العربية والمحافظة عليها.
المبحث الثالث : دور اللغة العربية تجاه الدين الإسلامي :
أثر اللغة العربية في صحة المعتقد
مما لاشك فيه أن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته الذين اعتنوا به خير اعتناء، فحفظوه في صدورهم، وتعلموه وبذلوا جهدًا في تأديته للناس وتعليمهم. ففي الحديث الذي رواه الإمام البخاري من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده"[14] فأهل القرآن هم الذين اتصلوا به من كل طريق فرفعهم الله في الدنيا والآخرة قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِك ﴾[15].
وروى الإمام مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال رسول اله صلى الله عليه وسلم : "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين".
ولذلك اعتنى المسلمون بهذا الكتاب خير عناية منذ العهد الأول إلى يومنا هذا وسيستمر إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها وذلك دليل على حفظ الله تعالى لهذا القرآن.
قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾[16].
قال الأستاذ- علي محمد البجاوي حفظه الله في مقدمة تحقيقه لكتاب التبيان في إعراب القرآن:
"فالقرآن الكريم قِبلة المؤمنين يحفظونه في صدورهم ويجعلونه أمامهم في كل وقت وحين؛ ولهذا أقبل عليه العلماء يدرسون ويبحثون، فمنهم من أقبل عليه مفسِّرًا يبين معاني ألفاظه، ومرامي آياته، ويوضح أحكامه، ومنهم من توفر على بحث جانب واحد من جوانبه الكثيرة، كإعرابه، أو تفسير مشكله، أو تكرار آياته، أو ناسخه ومنسوخه، أو استخلاص أحكامه، أو قراءاته، أو دلائل إعجازه، أو علومه أو أمثاله، ولايزال هذا دأبَ العلماء يتناولونه باحثين، ويقبلون عليه دارسين في كل العصور. ومن مجالات البحث ومدارسة القرآن الكريم إعراب ألفاظه. وقديما قالوا: "الإعراب فرع المعنى".
"والذي يجلي لنا إعرابه يكشف لنا عن معانٍ فيه".
وهذا الفن الإعرابي نشأ مع النحو، واستعان به المفسرون في توضيح الآيات في كتبهم المفسرة.
ولذلك كان تعلم الضبط الإعرابي، وقواعد النحو أمرًا ضروريًا كما قال الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله: الغرض من دراسة قواعد النحو فهم القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف"؛ لأنه إذا اختلف الضبط الصحيح فسد المعنى .
ارتباط اللغة العربية بالفرائط الإسلامية :
العربية ملازمة للفرائض الإسلامية. فقد أوجب الإسلام أن تكون اقامة الصلاة وتلاوة القرآن وترتيله، والأذان، ومناسك الحجّ، والدعاء، وسائر الشعائر الدينية كل ذلك باللغة العربية. وفرض على المسلمين في مختلف الاقطار والامصار تعلّم آي القرآن وحفظه وفهمه والاكثار من تلاوته. ويتحتم على الإمام والواعظ اتقان العربية، لكي يفهم أحكام القرآن والسنة، ويحسن شرحها وتفسيرها. ومعروف أن احكام القرآن وتعاليمه لا يصح ان تؤخذ إلاّ من نصه العربي، ولا تعدّ ترجمته الى أي لغة إلاّ تفسيراً لمعانيه، فلا تستنبط أحكامه منها.
لكل هذا ارتفعت منزلة العربية عند المسلمين، وتفقه المختصون في دراسة علوم العربية ووضع قواعدها في النحو والصرف والبيان والمعاني وموازين الشعرورسم الحروف والخط وغيرها، وألفوا فيها عدداً ضخماً من نفائس الكتب، ومنهم العرب وغيرهم. ونشطت لذلك بوجه خاص في زمن باكر مدرستا البصر والكوفة، فظهر في الأولى مثلاً أول معجم لغوي، وأول كتاب في اوزان الشعر، وأشهر كتاب في نحو العربية، منذ أكثر من اثني عشر قرناً، وهي معجم «العين» و«كتاب العروض» للعالم الفذّ الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري، و«الكتاب» لسيبويه تلميذ الخليل وسادن علمه وممحصه وجاليه.
المبحث الرابع  : ارتباط اللغة العربية بالثقافات الإسلامية والعربية :
علاقة اللغة العربية بالمجتمع الإسلامي العالمي والثقافات العالمية
إن اللغة العربية هي العروة الوثقى التي تجمع بين الشعوب العربية والشعوب الإسلامية التي شاركت في ازدهار الثقافة العربية الإسلامية. وبهذا الاعتبار، فإن الوفاق العربي والتضامن الإسلامي، لابد أن يقوما على هذا الأساس المتين؛ لغة القرآن الكريم، ولغة الثقافة العربية الإسلامية. ومن هنا تبدو الأهمية الكبرى لتدعيم مكانة اللغة العربية والعمل على نشرها وتعليمها لغير الناطقين بها من الشعوب الإسلامية، لأن في ذلك حمايةً للأمن الثقافي الحضاري للأمة العربية الإسلامية.
من خلال هذه الرؤية، يتأكد لنا أن اللغة العربية قضيةُ وجود، وقاعدة كيان، ودعامة النظام العربي الإسلامي الذي يستند إلى مرجعية العمل العربي الإسلامي المشترك المتمثلة في جامعة الدول العربية، وفي منظمة المؤتمر الإسلامي. فهي إذن، قضيةٌ من القضايا ذات الثقل الكبير والتأثير العميق فى حاضر الأمة ومستقبلها.
واللغة العربية هي وعاء الثقافة الإسلامية، وهي الأداة المثلى لمعرفة مبادئ الدين الحنيف وفهم أحكامه، وهي اللغة الوحيدة في العالم التي ترتبط بالدين ارتباطاً لا انفصام له. فاللغة العربية لغة الإسلام، لأنها لغة القرآن الكريم، ولغةُ حديث رسول اللَّه محمد صلى الله عليه وسلم ، ولغة صحابته الأبرار رضوان الله عليهم، الذين صنعوا تاريح الإسلام وفتحوا أقطار الأرض ونشروا دين الحق بها. وهي إلى ذلك لغة التراث العربي الإسلامي الذي شارك في بناء صرحه الشامخ رجال أفذاذ من علماء الأمة العربية الإسلامية ومفكريها، ومعظمهم لم تكن اللغة العربية لغة آبائهم وأجدادهم، دون أن يمنعهم ذلك من التأليف بلغة الضاد، ومن التفوّق والبروز في التفكير، وفي إبداع الحضارة الإسلامية بما صنّفوه من أمهات الكتب ونفائسها.
وبسبب هذا الارتباط العضوي بين الإسلام وبين اللغة العربية، كان العمل من أجل نشر اللغة العربية، والتمكين لها، وتدعيم مكانتها، وتوسيع نطاق تعليمها وتدريسها في البلدان الإسلامية وفي البلدان غير الإسلامية التي يوجد بها المسلمون، جزءاً لا يتجزّأ من خدمة الإسلام عقيدة وثقافة وحضارة. ولذلك اقترن العمل الإسلامي الدولي في قنواته الرسمية والشعبية على السواء، وخصوصاً في جوانبه الثقافية والتعليمية، بنشر اللغة العربية، وبالأخص بين غير الناطقين بها، لما في ذلك من تدعيمٍ لحضور الثقافة الإسلامية، وتعزيزٍ لمكانة الإسلام، وتقويةٍ للتضامن الإسلامي وللروابط الثقافية والحضارية التي تشدّ المسلمين بعضهم إلى بعض، نهوضاً بالمسؤولية الجماعية التي يتحمّلها المسلمون تجاه دينهم ولغة قرآنهم وثقافتهم، وإزاء أمتهم ودورها في الحاضر والمستقبل.
ارتباط اللغة العربية بحضارات وثقافة العرب  :
إن الأمة العربية أمة بيان، والعمل فيها مقترن بالتعبير والقول، فللغة في حياتها شأن كبير وقيمة أعظم من قيمتها في حياة أي أمة من الأمم. إن اللغة العربية هي الأداة التي نقلت الثقافة العربية عبر القرون، وعن طريقها وبوساطتها اتصلت الأجيال العربية جيلاً بعد جيل في عصور طويلة، وهي التي حملت الإسلام وما انبثق عنه من حضارات وثقافات، وبها توحد العرب قديماً وبها يتوحدون اليوم ويؤلفون في هذا العالم رقعة من الأرض تتحدث بلسان واحد وتصوغ أفكارها وقوانينها وعواطفها في لغة واحدة على تنائي الديار واختلاف الأقطار وتعدد الدول. واللغة العربية هي أداة الاتصال ونقطة الالتقاء بين العرب وشعوب كثيرة في هذه الأرض أخذت عن العرب جزءاً كبيراً من ثقافتهم واشتركت معهم - قبل أن تكون ( الأونيسكو ) والمؤسسات الدولية - في الكثير من مفاهيمهم وأفكارهم ومثلهم، وجعلت الكتاب العربي المبين ركناً أساسياً من ثقافتها، وعنصراً جوهرياً في تربيتها الفكرية والخلقية .
إن الجانب اللغوي جانب أساسي من جوانب حياتنا، واللغة مقوم من أهم مقومات حياتنا وكياننا، وهي الحاملة لثقافتنا ورسالتنا والرابط الموحد بيننا والمكون لبنية تفكيرنا، والصلة بين أجيالنا، والصلة كذلك بيننا وبين كثير من الأمم .
إن اللغة من أفضل السبل لمعرفة شخصية أمتنا وخصائصها، وهي الأداة التي سجلت منذ أبعد العهود أفكارنا وأحاسيسنا. وهي البيئة الفكرية التي نعيش فيها، وحلقة الوصل التي تربط الماضي بالحاضر بالمستقبل. إنها تمثل خصائص الأمة، وقد كانت عبر التاريخ مسايرة لشخصية الأمة العربية، تقوى إذا قويت، وتضعف إذا ضعفت .






الخاتمة :
لقد حمل العرب الإسلام إلى العالم، وحملوا معه لغة القرآن العربية واستعربت شعوب غرب آسيا وشمال إفريقية بالإسلام فتركت لغاتها الأولى وآثرت لغة القرآن، أي أن حبهم للإسلام هو الذي عربهم، فهجروا ديناً إلى دين، وتركوا لغة إلى أخرى .
لقد شارك الأعاجم الذين دخلوا الإسلام في عبء شرح قواعد العربية وآدابها للآخرين فكانوا علماء النحو والصرف والبلاغة بفنونها الثلاثة : المعاني ، والبيان ، والبديع .
إن القرآن بالنسبة إلى العرب جميعاً كتاب لبست فيه لغتهم ثوب الإعجاز، وهو كتاب يشد إلى لغتهم مئات الملايين من أجناس وأقوام يقدسون لغة العرب، ويفخرون بأن يكون لهم منها نصيب .
من المعلوم أن اللغة هي رباط شاء الله سبحانه وتعالي أن يجعله من الصلات التي تشد البشر بعضهم إلي بعض ولذلك كانت ميزة آدم عليه السلام في معرفة أسماء المسميات وقد امتحن الله تبارك وتعالي ملائكته بأن سألهم عن هذه الأسماء فعجزوا عن الحديث عنها واختبر آدم عليه السلام فنجح في هذا الاختبار وكان ذلك سببا لرفع شأنه وإعلاء قدره في الملأ الأعلى ,ذلك لان الجنس البشري _كما هو معلوم _جنس اختاره الله تعالي لأن يكون اجتماعيا بفطرته ، ومدنيا بطبعه فهو بحاجة إلي التفاهم ،وما يتبع هذا التفاهم من التعاون ،ولذلك امتن الله سبحانه في كتابه العزيز بتعليم الناس البيان يقول جل وعلي (الرحمن -علم القرآن _خلق الانسان_ علمه البيان) والبيان من مزايا هذا الانسان .[17]
لقد غدت العربية لغة تحمل رسالة إنسانية بمفاهيمها وأفكارها، واستطاعت أن تكون لغة حضارة إنسانية واسعة اشتركت فيها أمم شتى كان العرب نواتها الأساسية والموجهين لسفينتها، اعتبروها جميعاً لغة حضارتهم وثقافتهم فاستطاعت أن تكون لغة العلم والسياسة والتجارة والعمل والتشريع والفلسفة والمنطق والتصوف والأدب والفن .
واللغة من الأمة أساس وحدتها، ومرآة حضارتها، ولغة قرآنها الذي تبوأ الذروة فكان مظهر إعجاز لغتها القومية .






المراجع :

1.    د. عبد العزيز بن عثمان التويجري، في البناء الحضاري للعالم الإسلامي، الجزء الثاني، الرباط، 1997 م.
2.    كتاب الثقافة العربية لأنور الجندي، دار الكتاب اللبناني، ط 1، عام 1982.
3.    المصور في التاريخ، الجزء التاسع. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، بيروت. تنظيم الدولة الإداري .
4.    إسلام أون لاين/29-6-2004 ، على الرابط : http://islamonline.net/ar/
5.   جريدة الغد ، الاثنين 15 أيار 2006م ، 16 ربيع الثاني 1427 هـ ، على الرابط :  http://www.alghad.com/
6.    مجلة "كلية الدعوة"، ليبيا ،طرابلس، العدد 8، لعام 1991، مقال دور الجامعات العربية والأفريقية ، د. محمد علي الصلبي ، جامعة النجاح - نابلس.
7.    مجلة العربي، العدد 42 ، انظر تحليل كتاب "تغريب العالم"  سيرج لاتوش عرض سعيد كزاوي.
8.    مجلة النور، العدد 50 ، ص 5 ، تحليل كتاب الإسلام وصراع الحضارات / د. أحمد القديري .
9.    مقالة "الحركات الإسلامية قراءة أولية". د.محمد أركون ترجمة هاشم صالح في مجلة الوحدة، العدد 96.
10.           اللغة العربية ومكانتها في الثقافة العربية الإسلامية، الدكتور جميل عيسى الملائكة،صحيفة 26 سبتمبر ، على الرابط : http://www.26sep.net
11.           أخطاء لغوية شائعة في اللغة العربية(2) ( محاضرة مكتوبة)، أحمد بن حمد الخليلي ، مجلة رسالة المسجد ، عن مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية ، العدد 243 .




[1] - الروم: 22
[2] - الحجر: 9
[3] - الشعراء/193ــ 195
[4] - الزخرف/ 3
[5] - فصلت / 3
[6] - الزمر/28
[7] - الحجر/9
[8] - الحجر: 9
[9] - اللغة العربية ومكانتها في الثقافة العربية الإسلامية، الدكتور جميل عيسى الملائكة ، صحيفة 26 سبتمبر ، على الرابط : http://www.26sep.net/newsweekarticle.php?lng=arabic&sid=5644
[10] - المصور في التاريخ، الجزء التاسع. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين، بيروت. تنظيم الدولة الإداري، صفحة: 367
[11] - المرجع السابق ، صفحة: 386-387
[12] - المرجع السابق .
[13] - جريدة الغد ، الأثنين 15 أيار 2006م ، 16 ربيع الثاني 1427 هـ
[14] - رواه مسلم
[15] - الزخرف:44
[16] - الحجر:9
[17] - أخطاء لغوية شائعة في اللغة العربية(2) ( محاضرة مكتوبة)، أحمد بن حمد الخليلي ، مجلة رسالة المسجد ، عن مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية ، العدد 243 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية